أمطار الدم
((النار فاكهة الشتاءْ))
ويروح يفرك بارتياحٍ راحتين غليظتينْ
ويحرّك النار الكسولةَ جوفَ موْقدها القديم
ويعيد فوق المرّتين
ذكر السماء
والله.. والرسل الكرامِ.. وأولياءٍ صالحين
ويهزُّ من حين لحين
في النار.. جذع السنديان وجذعَ زيتون عتيـق
ويضيف بنّاً للأباريق النحاس
ويُهيلُ حَبَّ (الهَيْلِ) في حذر كريم
الله.. ما أشهى النعاس
حول المواقد في الشتاء !
لكن.. ويُقلق صمت عينيه الدخان
فيروح يشتمّ.. ثم يقهره السّعال
وتقهقه النار الخبيثة.. طفلةً جذلى لعوبه
وتَئزّ ضاحكةً شراراتٌ طروبه
ويطقطق المزراب.. ثمّ تصيخ زوجته الحبيبة
-قم يا أبا محمود..قد عاد الدوابّ
و يقوم نحو الحوش.. لكن !!
-قولي أعوذُ..تكلمي! ما لون.. ما لون المطر ؟
ويروح يفرك مقلتيه
-يكفي هُراءً.. إنّ في عينيك آثار الكبَر ؟
وتلولبت خطواته.. ومع المطر
ألقى عباءته المبللة العتيقة في ضجر
ثم ارتمى..
-يا موقداً رافقتَني منذ الصغر
أتُراك تذكر ليلة الأحزان . إذ هزّ الظلام
ناطور قريتنا ينادي الناس: هبوا يا نيام
دَهمَ اليهود بيوتكم..
دهم اليهود بيوتكم..
أتُراك تذكرُ ؟.. آه .. يا ويلي على مدن الخيام !
من يومها .. يا موقداً رافقته منذ الصغر
من يوم ذاك الهاتف المشؤوم زاغ بِيَ البصر
فالشمس كتلة ظلمة .. والقمح حقل من إبر
يا عسكر الإنقاذ ، مهزوماً !
ويا فتحاً تكلل بالظفر !
لم تخسروا !.. لم تربحوا !.. إلا على أنقاض أيتام البشر
من عِزوتي .. يا صانعي الأحزان ، لم يسلم أحدْ
أبناء عمّي جُندلوا في ساحة وسط البلد
وشقيقتي.. وبنات خالي.. آه يا موتى من الأحياء في مدن الخيام !
ليثرثر المذياع (( في خير )) ويختلق (( السلام )) !!
من قريتي.. يا صانعي الأحزان ، لم يَسلم أحدْ
جيراننا.. عمال تنظيف الشوارع والملاهي
في الشام ، في بيروت ، في عمّان ، يعتاشون..
لطفك يا إلهي !
وتصيح عند الباب زوجته الحبيبه
-قم يا أبا محمود .. قد عاد الجُباة من الضريبه
ويصيح بعض الطارئين : افتح لنا هذي الزريبه
أعطوا لقيصر ما لقيصر !!
***
ويجالدُ الشيخ المهيب عذاب قامته المهيبه
وتدفقت كلماته الحمراء..بركانا مفجّر
-لم يبق ما نعطي سوى الأحقاد والحزن المسمّم
فخذوا ..خذوا منّا نصيب الله والأيتام والجرح المضرّم
هذا صباحٌ.. سادن الأصنام فيه يُهدم
والبعلُ.. والعزّى تُحطّم
***
وتُدمدم الأمطارُ..أمطار الدم المهدوم.. في لغةٍ غريبهْ
و يهزّ زوجته أبو محمود.. في لغة رهيبه
-قولي أعوذُ.. تكلّمي !
ما لون.. ما- لون المطر ؟
. . . . .
ويلاه.. من لون المطر !!